فصل: تفسير الآيات (7- 11):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (105):

{وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105)}
{وبالحق أَنْزَلْنَاهُ وبالحق نَزَلَ} وما أنزلنا القرآن إلا بالحكمة المقتضية لإنزاله وما نزل إلا ملتبساً بالحق والحكمة لاشتماله على الهداية إلى كل خير، أو ما أنزلناه من السماء إلا بالحق محفوظاً بالرصد من الملائكة، وما نزل على الرسول إلا محفوظاً بهم من تخليط الشياطين {وَمَا أرسلناك} إلا لتبشرهم بالجنة وتنذرهم من النار، ليس إليك وراء ذلك شيء، من إكراه على الدين أو نحو ذلك.

.تفسير الآية رقم (106):

{وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106)}
{وَقُرْءانًا} منصوب بفعل يفسره {فرقناه} وقرأ أبيّ {فرّقناه} بالتشديد، أي: جعلنا نزوله مفرّقاً منجماً وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قرأ مشدّداً وقال: لم ينزل في يومين أو ثلاثة، بل كان بين أوّله وآخره عشرون سنة، يعني: أن فرق بالتخفيف يدل على فصل متقارب {على مُكْثٍ} بالفتح والضم: على مهل وتؤدة وتثبت {ونزلناه تَنْزِيلاً} على حسب الحوادث.

.تفسير الآيات (107- 109):

{قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109)}
{قُلْ ءامِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ} أمر بالإعراض عنهم واحتقارهم والإزدراء بشأنهم، وأن لا يكترث بهم وبإيمانهم وبامتناعهم عنه، وأنهم إن لم يدخلوا في الإيمان ولم يصدّقوا بالقرآن وهم أهل جاهلية وشرك، فإن خيراً منهم وأفضل- وهم العلماء الذين قرؤا الكتب وعلموا ما الوحي وما الشرائع- قد آمنوا به وصدّقوه، وثبت عندهم أنه النبي العربيّ الموعود في كتبهم، فإذا تلي عليهم خرّوا سجداً وسبحوا الله تعظيماً لأمره ولإنجازه ما وعد في الكتب المنزلة وبشر به من بعثه محمد صلى الله عليه وسلم وإنزال القرآن عليه، وهو المراد بالوعد في قوله: {إِن كَانَ وَعْدُ رَبّنَا لَمَفْعُولاً.... وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} أي يزيدهم القرآن لين قلب ورطوبة عين- فإن قلت: {إِنَّ الذين أُوتُواْ العلم مِن قَبْلِهِ} تعليل لماذا؟ قلت: يجوز أن يكون تعليلاً لقوله {ءَامِنوُاْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ} وأن يكون تعليلاً لقل على سبيل التسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتطييب نفسه، كأنه قيل: تسلَّ عن إيمان الجهلة بإيمان العلماء، وعلى الأوّل: إن لم تؤمنوا به لقد آمن به من هو خير منكم.
فإن قلت: ما معنى الخرور للذقن؟ قلت: السقوط على الوجه، وإنما ذكر الذقن وهو مجتمع اللحيين، لأنّ الساجد أول ما يلقى به الأرض من وجهه الذقن، فإن قلت: حرف الاستعلاء ظاهر المعنى إذا قلت خرّ على وجهه وعلى ذقنه، فما معنى اللام في خرّ لذقنه ولوجهه؟ قال:
فخَرَّ صَرِيعاً لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ

قلت: معناه جعل ذقنه ووجهه للخرور واختصه به؛ لأن اللام للاختصاص.
فإن قلت: لم كرّر يخرون للأذقان؟ قلت: لاختلاف الحالين وهما خرورهم في حال كونهم ساجدين، وخرورهم في حال كونهم باكين.

.تفسير الآية رقم (110):

{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110)}
عن ابن عباس رضي الله عنهما سمعه أبو جهل يقول: يا أَلله يا رحمن، فقال: إنه ينهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلهاً آخر. وقيل: إن أهل الكتاب قالوا: إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثر الله في التوراة هذا الاسم فنزلت. والدعاء بمعنى التسمية لا بمعنى النداء، وهو يتعدّى إلى مفعولين، تقول: دعوته زيداً، ثم يترك أحدهما استغناء عنه فيقال: دعوت زيداً. والله والرحمن، المراد بهما الاسم لا المسمى. وأو للتخيير، فمعنى {ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن} سموا بهذا الاسم أو بهذا، واذكروا إما هذا وإما هذا. والتنوين في {أَيّا} عوض من المضاف إليه. و{مَا} صلة للإبهام المؤكد لما في أيّ، أي: أيّ هذين الاسمين سميتم وذكرتم {فَلَهُ الأسماء الحسنى} والضمير في {فَلَهُ} ليس براجع إلى أحد الاسمين المذكورين، ولكن إلى مسماهما وهو ذاته تعالى؛ لأن التسمية للذات لا للاسم. والمعنى: أياما تدعوا فهو حسن، فوضع موضعه قوله: {فَلَهُ الأسماء الحسنى} لأنه إذا حسنت أسماؤه كلها حسن هذان الاسمان: لأنهما منها، ومعنى كونهما أحسن الأسماء. أنها مستقلة بمعاني التحميد والتقديس والتعظيم. بصلاتك بقراءة صلاتك على حذف المضاف؛ لأنه لا يلبس، من قبل أن الجهر والمخافتة صفتان تعتقبان على الصوت لا غير، والصلاة أفعال وأذكار وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بقراءته، فإذا سمعها المشركون لغوا وسبوا، فأمر بأن يخفض من صوته، والمعنى: ولا تجهر حتى تسمع المشركين {وَلاَ تُخَافِتْ} حتى لا تسمع من خلفك {وابتغ بَيْنَ} الجهر و المخافتة {سَبِيلاً} وسطاً.
وروي أنّ أبا بكر رضي الله عنه كان يخفي صوته بالقراءة في صلاته ويقول: أناجي ربي وقد علم حاجتي، وكان عمر رضي الله عنه يرفع صوته ويقول: أزجر الشيطان وأوقظ الوسنان، فأمر أبا بكر أن يرفع قليلاً وعمر أن يخفض قليلاً. وقيل: معناه ولا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها كلها، وابتغ بين ذلك سبيلاً بأن تجهر بصلاة الليل وتخافت بصلاة النهار، وقيل {بِصَلاتِكَ} بدعائك. وذهب قوم إلى أنّ الآية منسوخة بقوله: {ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] وابتغاء السبيل: مثل لانتحاء الوجه الوسط في القراءة {وَلِىٌّ مَّنَ الذل} ناصر من الذل ومانع له منه لاعتزازه به، أو لم يوال أحداً من أجل مذلة به ليدفعها بموالاته.

.تفسير الآية رقم (111):

{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)}
فإن قلت: كيف لاق وصفه بنفي الولد والشريك والذل بكلمة التحميد؟ قلت: لأنّ من هذا وصفه هو الذي يقدر على إيلاء كل نعمة، فهو الذي يستحق جنس الحمد.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفصح الغلام من بني عبد المطلب علمه هذه الآية. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة بني إسرائيل فرقّ قلبه عند ذكر الوالدين كان له قنطار في الجنة، والقنطار ألف أوقية ومائتا أوقية» رزقنا الله بفضله العميم وإحسانه الجسيم.

.سورة الكهف:

.تفسير الآيات (1- 5):

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآَبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5)}
لقن الله عباده وفقههم كيف يثنون عليه ويحمدونه على أجزل نعمائه عليهم وهي نعمة الإسلام، وما أنزل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم من الكتاب الذي هو سبب نجاتهم وفوزهم {وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا} ولم يجعل له شيئاً من العوج قط، والعوج في المعاني كالعوج في الأعيان، والمراد نفي الاختلاف والتناقض عن معانيه، وخروج شيء منه من الحكمة والإصابة فيه.
فإن قلت: بم انتصب {قَيِّماً}؟ قلت: الأحسن أن ينتصب بمضمر ولا يجعل حالاً من الكتاب؛ لأنّ قوله {وَلَمْ يَجْعَل} معطوف على أنزل، فهو داخل في حيز الصلة، فجاعله حالاً من الكتاب فاصل بين الحال وذي الحال ببعض الصلة، وتقديره: ولم يجعل له عوجا جعله قيماً؛ لأنه إذا نفى عنه العوج فقد أثبت له الاستقامة.
فإن قلت: ما فائدة الجمع بين نفي العوج وإثبات الاستقامة، وفي أحدهما غنى عن الآخر؟ قلت: فائدته التأكيد، فرب مستقيم مشهود له بالاستقامة ولا يخلو من أدنى عوج عند السبر والتصفح. وقيل: قيما على سائر الكتب مصدقاً لها، شاهداً بصحتها. وقيل: قيماً بمصالح العباد وما لابد لهم منه من الشرائع وقرئ {قيماً} {أنذر} متعدّ إلى مفعولين، كقوله {إِنَّا أنذرناكم عَذَاباً قَرِيباً} [النبأ: 40] فاقتصر على أحدهما، وأصله {لِّيُنذِرَ} الذين كفروا {بَأْسًا شَدِيدًا} والبأس من قوله {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} [الأعراف: 165] وقد بؤس العذاب وبؤس الرجل بأساً وبآسة {مِّن لَّدُنْهُ} صادراً من عنده. وقرئ {من لدنه} بسكون الدال مع إشمام الضمة وكسر النون {وَيُبَشِّرُ} بالتخفيف والتثقيل.
فإن قلت: لم اقتصر على أحد مفعولى أنذر؟ قلت: قد جعل المنذر به هو الغرض المسبوق إليه، فوجب الاقتصار عليه. والدليل عليه تكرير الإنذار في قوله {وَيُنْذِرَ الذين قَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا (4)} متعلقاً بالمنذرين من غير ذكر المنذر به، كما ذكر المبشر به في قوله: {أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا} استغناء بتقدّم ذكره. والأجر الحسن: الجنة {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} أي بالولد أو باتخاذه، يعني أنّ قولهم هذا لم يصدر عن علم ولكن عن جهل مفرط وتقليد للآباء، وقد اشتملته آباؤهم من الشيطان وتسويله.
فإن قلت: اتخاذ الله ولداً في نفسه محال، فكيف قيل: ما لهم به من علم؟ قلت: معناه ما لهم به من علم؛ لأنه ليس مما يعلم لاستحالته، وانتفاء العلم بالشيء إمّا للجهل بالطريق الموصل إليه، وإما لأنه في نفسه محال لا يستقيم تعلق العلم به. قرئ {كبرت كلمة}، وكلمة: بالنصب على التمييز والرفع على الفاعلية، والنصب أقوى وأبلغ. وفيه معنى التعجب، كأنه قيل: ما أكبرها كلمة. و{تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} صفة للكلمة تفيد استعظاماً لاجترائهم على النطق بها وإخراجها من أفواههم، فإن كثيراً مما يوسوسه الشيطان في قلوب الناس ويحدّثون به أنفسهم من المنكرات لا يتمالكون أن يتفوّهوا به ويطلقوا به ألسنتهم، بل يكظمون عليه تشوّرا من إظهاره، فكيف بمثل هذا المنكر؟ وقرئ {كبْرت} بسكون الباء مع إشمام الضمة.
فإن قلت: إلام يرجع الضمير في كبرت؟ قلت: إلى قولهم {اتخذ الله وَلَدًا} وسميت كلمة كما يسمون القصيدة بها.

.تفسير الآية رقم (6):

{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)}
شبهه وإياهم حين تولوا عنه ولم يؤمنوا به وما تداخله من الوجد والأسف على توليهم، برجل فارقه أحبته وأعزته فهو يتساقط حسرات على آثارهم ويبخع نفسه وجداً عليهم وتلهفاً على فراقهم. وقرئ {باخع نفسك}، على الأصل، وعلى الإضافة: أي قاتلها ومهلكها، وهو للاستقبال فيمن قرأ {إن لم يؤمنوا} وللمضي فيمن قرأ {أن لم يؤمنوا} بمعنى: لأن لم يؤمنوا {بهذا الحديث} بالقرآن {أَسَفاً} مفعول له، أي: لفرط الحزن. ويجوز أن يكون حالا والأسف: المبالغة في الحزن والغضب. يقال: رجل أسف وأسيف.

.تفسير الآيات (7- 11):

{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11)}
{مَا عَلَى الأرض} يعني ما يصلح أن يكون زينة لها ولأهلها من زخارف الدنيا وما يستحسن منها {لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً} وحسن العمل: الزهد فيها وترك الاغترار بها، ثم زهد في الميل إليها بقوله {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا} من هذه الزينة {صَعِيداً جُرُزاً} يعني مثل أرض بيضاء لانبات فيها، بعد أن كانت خضراء معشبة، في إزالة بهجته، وإماطه حسنه، وإبطال ما به كان زينة: من إماتة الحيوان وتجفيف النبات والأشجار، ونحو ذلك ذكر من الآيات الكلية تزيين الأرض مما خلق فوقها من الأجناس التي لا حصر لها وإزالة ذلك كله كأن لم يكن، ثم قال {أَمْ حَسِبْتَ} يعني أن ذلك أعظم من قصة أصحاب الكهف وإبقاء حياتهم مدّة طويلة. والكهف: الغار الواسع في الجبل {والرقيم} اسم كلبهم. قال أمية ابن أبي الصلت:
وَلَيْسَ بِهَا إلاَّ الرَّقِيمُ مُجَاوِراً ** وَصِيدَهُمُ وَالْقَوْمُ في الْكَهْفِ هُمَّدُ

وقيل: هو لوح من رصاص رقمت فيه أسماؤهم جعل على باب الكهف. وقيل: إن الناس رقموا حديثهم نقراً في الجبل. وقيل: هو الوادي الذي فيه الكهف. وقيل: الجبل. وقيل: قريتهم. وقيل: مكانهم بين غضبان وأيلة دون فلسطين {كَانُواْ} آية {عَجَبًا} من آياتنا وصفاً بالمصدر، أو على: ذات عجب {مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً} أي رحمة من خزائن رحمتك، وهي المغفرة والرزق والأمن من الأعداء {وَهَيّئ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا} الذي نحن عليه من مفارقة الكفار {رَشَدًا} حتى نكون بسببه راشدين مهتدين، أو اجعل أمرنا رشداً كله، كقولك: رأيت منك أسداً {فَضَرَبْنَا على ءاذَانِهِمْ} أي ضربنا عليها حجاباً من أن تسمع، يعني: أنمناهم إنامة ثقيلة لا تنبههم فيها الأصوات، كما ترى المستثقل في نومه يصاح به فلا يسمع ولا يستنبه، فحذف المفعول الذي هو الحجاب كما يقال: بنى على امرأته، يريدون: بنى عليها القبة {سِنِينَ عَدَدًا} ذوات عدد، فيحتمل أن يريد الكثرة وأن يريد القلة؛ لأن الكثير قليل عنده، كقوله: {لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مّن نَّهَارٍ} [الأحقاف: 35] وقال الزجاج: إذا قل فهم مقدار عدده فلم يحتج أن يعدّ، وإذا كثر احتاج إلى أن يعد.